متى يظهر لون عيون الطفل؟

متى يظهر لون عيون الطفل الحقيقي؟

يُعد لون عيون الطفل من أكثر الصفات التي تثير فضول الأهل منذ اللحظة الأولى بعد الولادة، حيث يتساءل الكثيرون عمّا إذا كان اللون الذي يرونه هو اللون النهائي أم أنه مؤقت وسيتغير لاحقاً. هذه الظاهرة المثيرة ليست مجرد تغير لوني سطحي بل هي نتيجة لتفاعلات بيولوجية معقدة تتعلق بالوراثة، وتراكم صبغة الميلانين، والعوامل البيئية. إن فهم هذه الآلية يساعد على تفسير لماذا يُولد العديد من الأطفال بلون عيون أزرق أو رمادي باهت يتبدل مع مرور الوقت إلى لون مختلف.

في هذا المقال الموسّع، نناقش تفاصيل تطور لون العين عند الأطفال منذ الولادة وحتى استقرار اللون النهائي، مستعرضين الجوانب الوراثية والبيولوجية والطبية التي تساهم في تحديد اللون النهائي للعين، وأسباب تأخر استقراره، مع تسليط الضوء على التغيرات الطبيعية والمحتملة في الأشهر والسنوات الأولى من حياة الطفل.

التكوين البيولوجي للون العين

لون العين يتم تحديده بشكل رئيسي من خلال كمية ونوع صبغة الميلانين الموجودة في الجزء الأمامي من القزحية. القزحية هي الجزء الملوّن من العين، وهي تتحكم بكمية الضوء التي تدخل من خلال الحدقة إلى شبكية العين.

تُنتَج صبغة الميلانين في خلايا خاصة تُعرف باسم الخلايا الميلانينية، وهي موجودة في البشرة، الشعر، والعيون. كلما زادت كمية الميلانين في القزحية، أصبح لون العين أغمق (بني داكن أو أسود). أما عندما تكون كمية الميلانين منخفضة جداً، يكون لون العين أزرق أو رمادي أو أخضر.

لماذا يُولد معظم الأطفال بلون عيون أزرق أو رمادي؟

عند الولادة، لا تكون الخلايا الميلانينية في عيون الأطفال قد بدأت بعد بإنتاج كميات كبيرة من الميلانين. هذا يعني أن القزحية تبدو بلون أفتح – غالباً أزرق باهت أو رمادي – نتيجة لانعكاس الضوء من الألياف في الطبقات الخلفية من القزحية.

بمرور الوقت، يبدأ الجسم بإنتاج المزيد من الميلانين، مما يؤدي إلى تغير تدريجي في لون العين حتى يستقر على لونه النهائي.

متى يتغير لون عيون الطفل؟

التغير في لون العين يبدأ عادة خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة الأولى من حياة الطفل، لكن قد يستمر هذا التغير حتى سن السنة الأولى أو حتى الثلاث سنوات في بعض الحالات النادرة.

الجدول الزمني لتغير لون العين:

العوامل الوراثية وتحديد لون العين

يتحدد لون العين من خلال تفاعل معقّد بين عدة جينات، وليس كما كان يُعتقد سابقًا بأنه صفة بسيطة يحكمها جين واحد فقط. الجينات المسؤولة عن لون العين تتواجد في الكروموسوم 15 وكروموسومات أخرى، وتؤثر على إنتاج الميلانين وتوزيعه في القزحية.

أهم الجينات المعروفة:

• جين OCA2: يتحكم في كمية الميلانين في القزحية.

• جين HERC2: ينظم التعبير عن OCA2، وبالتالي له تأثير كبير في تحديد ما إذا كانت العين ستكون زرقاء أو بنية.

الوراثة ليست مباشرة تمامًا. فمثلًا:

• إذا كان كلا الوالدين يملكان عيونًا زرقاء، هناك احتمال كبير أن يكون الطفل كذلك، لكن لا ضمان قطعي.

• إذا كان أحد الوالدين عيونه بنية والآخر زرقاء، تكون النتيجة أكثر تعقيدًا وقد تعتمد على جينات الأجداد.

ألوان العيون الأكثر شيوعًا حول العالم

لون العين يختلف تبعًا للعوامل الوراثية والعرقية. على سبيل المثال:

• العيون البنية: هي الأكثر شيوعًا عالميًا.

• العيون الزرقاء: أكثر انتشارًا في السكان من أصول أوروبية شمالية.

• العيون الخضراء: تُعتبر من أندر الألوان، وتنتشر بنسبة ضئيلة بين السكان.

• العيون العسلية: خليط بين البني والأخضر أو بين البني والذهبي.

أسباب التغير البطيء أو السريع في اللون

تتفاوت سرعة تغير لون العين من طفل إلى آخر بناءً على مجموعة من العوامل:

• نشاط الخلايا الميلانينية: بعض الأطفال تبدأ خلاياهم بإنتاج الميلانين في وقت مبكر.

• العوامل الجينية المعقدة: وجود أكثر من جين مسؤول قد يجعل التغير أبطأ أو غير متوقع.

• التعرض للضوء: الضوء يحفز إنتاج الميلانين، لذا فإن الأطفال المولودين في بيئات أكثر تعرضًا للشمس قد تتغير عيونهم أسرع.

الحالات النادرة: اختلاف لون العينين (Heterochromia)

في بعض الحالات النادرة، قد يمتلك الطفل لونين مختلفين في كل عين، وتُعرف هذه الحالة باسم Heterochromia. قد تكون الحالة:

• كاملة: حيث تكون كل عين بلون مختلف تمامًا (مثلاً عين بنية وأخرى زرقاء).

• جزئية: حيث تحتوي نفس العين على أكثر من لون.

هذه الحالة قد تكون وراثية، أو نتيجة طفرة جينية، أو حتى نتيجة إصابة أو حالة طبية معينة.

هل يمكن أن يتغير لون العين بعد عمر الثلاث سنوات؟

بشكل عام، معظم الأطفال يستقر لون عيونهم في عمر السنة إلى ثلاث سنوات. ومع ذلك، توجد حالات نادرة جدًا يحدث فيها تغير بسيط بعد هذا العمر، لكنه يكون طفيفًا وغير ملحوظ. التغيرات الجذرية في لون العين بعد الطفولة قد تكون مؤشرًا على حالة صحية تستوجب الفحص.

الفرق بين لون العين عند الأطفال البيض والسمر والآسيويين

لون العين عند الولادة يختلف أيضًا بحسب الخلفية العرقية:

• البيض الأوروبيون: غالبًا ما يولد الأطفال بعيون زرقاء أو رمادية تتحول إلى أزرق أو أخضر أو عسلي.

• الآسيويون والأفارقة والسكان من أصول شرق أوسطية: غالبًا ما يولد الأطفال بعيون داكنة، ويكون اللون النهائي بنياً من البداية أو يتحول بسرعة كبيرة.

هل يمكن التنبؤ بلون عيون الطفل قبل الولادة؟

لا يمكن تحديد لون العين بدقة قبل الولادة، حتى مع وجود معلومات وراثية مفصلة عن الأبوين. هناك بعض المخططات الوراثية التي تساعد في تقدير الاحتمالات، لكنها ليست دقيقة بنسبة 100%.

الأمراض والحالات الطبية المرتبطة بلون العين

هناك بعض الحالات الطبية التي يمكن أن تؤثر على لون العين أو تغيره مثل:

• متلازمة واردنبورغ Waardenburg Syndrome: تسبب تفاوت في لون العين أو عينين مختلفتين.

• المياه الزرقاء الخلقية: قد تؤثر على مظهر العين وتجعلها تبدو ضبابية أو زرقاء.

• التهاب القزحية: يمكن أن يغير لون العين مؤقتًا أو دائمًا.

• مهق العين Ocular Albinism: حالة نادرة تؤدي إلى غياب الميلانين في العين.

الخلاصة العلمية

لون عين الطفل ليس صفة ثابتة عند الولادة، بل هو نتاج عمليات بيولوجية متواصلة تتفاعل فيها العوامل الوراثية والإنتاج الصبغي والتأثيرات البيئية. في معظم الحالات، يبدأ التغير خلال الأشهر الأولى ويستقر غالبًا قبل عمر السنة أو الثلاث سنوات. ومع أن التغير البسيط قد يستمر لاحقًا، فإن اللون النهائي يتشكل من خلال نظام معقد من الجينات لا يمكن التنبؤ به بدقة مطلقة.

إن مراقبة هذا التغير الطبيعي هو جزء جميل من نمو الطفل، ويُعد من المؤشرات الصحية على نضج الجهاز الصبغي في جسم الإنسان.

المراجع العلمية:

1. Sturm, R. A., & Frudakis, T. N. (2004). Eye colour: portals into pigmentation genes and ancestry. Trends in Genetics, 20(8), 327–332. https://doi.org/10.1016/j.tig.2004.06.010

2. Eiberg, H., et al. (2008). Blue eye color in humans may be caused by a perfectly associated founder mutation in a regulatory element located within the HERC2 gene inhibiting OCA2 expression. Human Genetics, 123(2), 177–187. https://doi.org/10.1007/s00439-007-0460-x